تدوينات - Blogsتدوينة

العنصرية والعرب وهاجس أمريكا “الحلم”

هتافات عربية على هامش مظاهرات أمريكا "حياة العرب مهمة"

إن نجح اليوم ما يحدث في أميركا فقد يغير المشهد وقد يجعله إنسانياً أكثر…

أميركا بلد الأحلام والعمل والحقوق الإنسانية كما يراها عرب ومسلمون وغيرهم من أقطار العالم، فقد سمعوا عنها الكثير ولديهم فضول لمعرفة هذا الواقع النموذجي. يصلون إليها وفي داخلهم الكثير من الطموح، يسمعون الكثير عنها وعن حقوق مواطنيها والمزايا التي يحصلون عليها ويسمعون أيضاً عن قوانينها المختلفة تماماً عن تلك التي تحكمهم. غير أن هذا كله قد لا يشكل الهاجس الأساسي في اللحظات الأولى لوصولهم، بل إن عبور منطقة الجوازات في المطارات والإقامة من دون أي مساءلة قانونية أو الوقوع في أيدي الأمن لأي لبس قد يحصل، هو الهاجس الأكبر لدى الآتي إلى أميركا مهاجراً شرعيا كان أم زائراً، وهذا يعود إلى وجه أميركا الأمني الذي تغير كثيراً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.

كانت أول زيارة لي إلى الولايات المتحدة عام 2014، لنحو شهر باستضافة من وزارة الخارجية الأميركية التي قدمت لي فرصة الزمالة مع قناة “ان بي سي” المحلية في مدينة ديترويت التي أفسلتها آنذاك العنصرية والفساد، وكانت أكبر همومي حينها هي سلامتي الشخصية، فمدينة ديترويت كانت مدينة أشباح خلال أيام الأسبوع، وكان التنقل فيها يتم من خلال سيارات “الشاتل” الخاصة بالفندق الذي أقمت فيه لضمان سلامتي. ما سمعته عن الجرائم في أميركا كان يثير مخاوفي، لكن الرحلة مرت بسلام، بل إني رأيت وجهاً جميلاً لأهل المدينة ولمست لطافة الأميركيين في تلك الرحلة التي تركت لدي انطباعا جميلاً بعيداً مما يشاع.

عام 2016، انتقلت للعمل والعيش في أميركا وهنا اختلفت الحكاية، فلقائي زملاء من جنسيات متعددة وأصدقاء قدامى غالبيتهم من الجنسيات العربية ممن أتوا لتحقيق أحلامهم المهنية والحصول على هوية تمنحهم مميزات أكبر من تلك التي يحصلون عليها في أوطانهم، أمور شكلت لي الصدمة الأولى، إذ لمست منذ لحظة وصولي مخاوفهم الكبيرة من صرامة الأنظمة واختلاف العادات والثقافة، وما قد تؤول إليه الأمور إذا ما خالفوها، فضلاً عن عنصرية البعض تجاههم، بخاصة من أولئك الذين لا يحتملون سماع لهجة إنكليزية مختلفة. كانت تحذيرات زملائي المستمرة لي ترهقني، لكنني مع الوقت بدأت أفهم أسبابها، فببساطة كانت هناك عدوى خوف ممزوجة بعدم ثقة وانكسار داخل نفس بعض الوافدين إلى أميركا، وهم يؤمنون في عقولهم الباطنة بأنها بلد نموذجي مختلف. وهذا أدى بشكل مباشر إلى شعورهم بصدمة كبيرة تجاه واقعها المختلف إلى حد ما، بعد العيش فيها بخاصة بالنسبة إلى أولئك الذين حصلوا على الجنسية الأميركية من دون أن يتمكنوا من الاختلاط المباشر بسكانها أو متابعة الواقع السياسي أو حتى إتقان اللغة. وهذا النوع من المقيمين يتحول بشكل لا إرادي مع الوقت من شخص تمارس عليه العنصرية إلى شخص عنصري تجاه أي أقلية يعتقد هو أنها أقل منه، فقط ليشعر أنه ليس الأدنى اجتماعياً، ومن هارب من الحكومات القمعية إلى حكومي يخشى العقوبة غير المبررة.

اليوم وبعدما علا صوت المتظاهرين ضد بطش بعض أفراد الأمن الذين تم تمكينهم وتقديم المميزات لهم خلال السنوات الأخيرة بخاصة المادية منها، ومناهضةً للعنصرية ضد الأميركيين السود والذين يشهد لهم التاريخ بحكاياتهم ونضالهم اللامنتهي، بعدما تخلصوا بحراكهم من زمن العبودية وبقيت تلاحقهم الأعمال العنصرية المشينة، هتفت أصوات الأقليات لتقول نحن هنا، لا تقولوا سوداً بل قولوا أقليات، وككل حراك دائماً هناك من يعتقد أن من حقه تصحيحه أو تسييره على هواه ولحساب مصالحه! 

إن نجح اليوم ما يحدث في أميركا فقد يغير المشهد وقد يجعله إنسانياً أكثر، بتخفيف نظرة رجال الأمن المتوجسة من كل ما هو غير أبيض أو أن يأخذه إلى مزيد من العنصرية وصراع أكبر بين العنصريين والمناهضين للعنصرية. وما يحدث اليوم يعيد إلى أذهاننا وقفة الأميركيين في وجه قرار رئاسي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2017، بمنع دخول المسافرين من سبع دول غالبيتها إسلامية إلى الولايات المتحدة، وهو ما يجيب على الأصوات الدخيلة على مطالب السود اليوم، فقد وقف معكم الأميركيون بكافة مكوناتهم عندما كنتم أنتم الحدث، فاتركوا لغيركم الفرصة وحتماً إن أتت النتيجة ناجحةً، ستكون لمصلحة الجميع.

من موقع درج https://daraj.com/47988/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى