كبير الخدم
“كبير الخدم” فيلم امريكي يروي قصة كبير الخدم في البيت الابيض ، صاحب البشرة السمراء التي تسببت يوما في اغتصاب والدته ثم جنونها بعد مقتل والده لاعتراضه على الظلم ، امام عيني كبير الخدم “طفلا” ليدها الطفل للعمل على خدمة القاتل في منزله بدلا من العمل في مزرعة عائلته ، “سيسل غينز” تمكن من الهروب في مراهقته من العمل تحت قسوة تلك العائلة ليعمل نادلا و خادما في مطعم ثم فندق فاخر و منه ينتقل للعمل في البيت الابيض بعد ان كون عائلة بها شابان وزوجة تقليدية تحملت انشغاله ، ابنه الاصغرقُتل في فيتنام محاربا ، فيما انشغل ابنه الاكبر بتحرير اصحاب البشرة السمراء من عبوديتهم ، وهنا اذكر مشهدا واقعيا يقول خلاله الابن الاصغر لاخيه عندما قرر الذهاب لفيتنام ” انا احارب من اجل البلاد .. اما انت فتحاربها ” جملة ابن جاهل بدا عليه الضياع طيلة احداث الفيلم بين وصال اخيه المغضوب عليه من العائلة والبلد من جهة و ارضاء والديه من جهة اخرى!
في الفيلم تفاصيل عدة تروي تلك الحقبة القاسية التي مر بها اصحاب البشرة السمراء مع توثيقها بصور واقعية كما تروي جانبا اخرا من النضال ربما لم نراه كثيرا ،فعلى عكس تلك الافلام التي سلطت الضوء على اشخاص مناضلين و وثقت كفاحهم لنيل الحق ،ركز فيلم كبير الخدم في احداثه على ذلك الاب الذي تورط في ابنه الاكبر المناضل ، المشاغب ، مخترق القوانين ، الى ان عرف اخيرا وبعد ان شاب شعر الاب والابن ان ابنه كان على حق ، هذا ما يؤكده الاب نهاية الفيلم فجميع المطالبين بالحقوق ، الذين غيروا قرارات وانظمة لا انسانية خرجوا و اخترقوا القانون في نظر الخانعين ! .
هذه هي قصة الفيلم بإختصار كما شاهدتموها او قرأتم عنها ، غير اني سأوري لكم المزيد من التفاصيل كما رأيتها ، لقد منحت تلك العنصرية اللعينة فئة من البشر “اصحاب البشرة البيضاء” افضليات تفوق “اصحاب البشرة السوداء” لاسباب خارجة عن ايديهم ، بررها منطق بعضهم بأننا في الحياة خلقنا عبيدا واسياد تماما كما يبرر المنطق وجود فقراء واغنياء ، فلماذا يخسرون هذه الميزة التي وهبتهم هي الحياة؟ وهو ماجعلهم يمارسون حقهم السيادي اجيالا وراء اجيال دون اعطاء الغير منهم فرصة التفكير في حقيقة الامر ، ومع كل تحرك نضالي او ظهور اي اعتراض من صفوف اصحاب البشرة السمراء يتشكل خطرا كبيرا امام اعين اصحاب البشرة البيضاء ، وهو ما اظهره الفيلم من عدائية وعنف مارسه اصحاب البشرة البيضاء عندما حاول مجموعة من الطلاب المناضلين اصحاب البشرة السمراء يدعمهم قلة من اصحاب البشرة البيضاء الجلوس على طاولة مقهى مخصصة لاصحاب البشرة البيضاء ،كما انهم حاولوا مرة العبور بحافلة الحرية كما سموها انذاك والتي تقل الوانا مختلفة من البشر، فقطع طريقهم افراد من منظمة كي كي كي حاملين بايديهم شعلات النار وادوات حطمت الحافلة و اذت ركابها ، طبعا يُوقف اصحاب البشرة السوادء بعد هذه الحوادث لاختراقهم القانون بركوب الحافلة جنبا الى جنب اصحاب البشرة البيضاء بدلا من الركوب في اماكنهم المخصصة في اخر الحافلة ، كما يخرج افراد كي كي كي بعد ايام معدودة من جرمهم!
اليس هذا هو حالنا في العالم الثالث سيدتي ، خلقنا ذكورا “اصحاب البشرة البيضاء” و اناث “اصحاب البشرة السوداء” هم الاسياد ونحن العبيد ، من قرر لك سيدتي مهنة ربة بيت ،من قرر ان قدراتك الذهنية لا تتجاوز خدمة بيتك “الابيض” ، من قرر راتبك وخصائصه التي لا تتساوى مع شريكك الرجل ؟ من قرر ان مهنا تليق بك واخرى لا تليق ؟ من قرر ان تعليمك يتأخر عنه و تمنعي من اقسام وتمنحي اخرى ؟ من قرر خروجك من السياسة و الاقتصاد و غيرها ؟
عزيزتي لست اناقش الامر دينيا كما يدعون ولكني ادرك تماما انه انسانيا ، فلا دين على الارض وجد ليمحو طرفا على الاخر ،كان صوتنا في نظرهم عورة فلماذا لم نخلق خرسا ؟ منعنا من التعليم فلماذا لم نخلق مجانين ؟
السيد سيسل غينز وابنه الاكبر كلاهما من وجهة نظري مناضلان، فكبير الخدم بالبيت الابيض عمل عقودا لتغيير انظمة التمييز العرقي فيما يتعلق برواتب الموظفين من اصحاب البشرة السمراء داخل البيت الابيض والتي لا تقبل الترقية ، كما طلب مرارا ترقيتهم لمراكز المهندسين داخل البيت الابيض ، اما ابنه البكر فكان يطالب بمساواة عملية كدخول الباصات والجلوس في المقاهي بشكل متساو مع البيض ، وعندما تقارن الاثنين ستجد ان مطلب الاب اهم من حيث المنطق كما ان طريقته كانت ارقى اذ لم تتعد على احد ولم تتجاوز القانون ، تماما كما يجب على المرأة السعودية عندما تطالب بتمكينها في قيادة السيارة ولا تطالب بتمكينها في المراكز القيادية كالوزارات والسفارات ، و هنا يبدو الامر واضحا بين الاثنين اذ ان مطالب الابن رمزية كان بمقدوره تنفيذها لاظهار مطالبه وايصال صوت رفضه لذلك القمع المهين، بينما انتظرت مطالب الاب موافقة البيت الابيض عقودا دون تغيير شيئا في واقع السود خارج اروقة ذلك البيت.
عزيزتي المرأة ، لماذا لا يتمسك الرجل كما الابيض في امريكا بسيادته التي منحته هي الحياة ، لماذا لا يمارس عنفه و قسوته وعنصريته و القانون اخيرا يخرجه كالشعرة من العجين ! فافراد كي كي كي لا يختلفون عن والد لمى المعنفة او زوج دليل القاتل و غيرهم ،و لا يختلفون عن ذكور اعتادوا تهديد النساء المطالبات بقيادة السيارة بالخروج عليهن بالعقال والجزم اكرمكم الله .
اخيرا قرأت ان الصحافة تفاجئت ببكاء اوباما عند مشاهدته الفيلم وهو يرى زمن اجداده ، اما انا فبكيت وانا ارى حاضرنا وماضينا سيدتي.
من وجهة نظري تشبيه الفلم لواقعنا في مجتمع تربينا به دون تفرقه لنخرج الى الحياة بعد انتهاء مرحلة الطفولة والمساواة لمرحلة الإقصاء والتمييز والحق في المواطنة لوطن عشقناه في قلوبنا لنجد أنفسنا بلا وطن فاوطاننا الأم يرفضوننا لعدم نشاتنا بينهم ووطننا وأرض نشاتنا يرفضنا لعدم اعترافه بالتنوع،،،حتى اصبحنا بلا هوية ولا وطن.