بعد نحو ٩ اعوام مررت لزيارة مدينة ملقا الإسبانية لألقي السلام على أماكن حملت ذكرياتي فيها، كانت محطة بين مدينتي ماربيا وغرناطة، ما يعني زيارة ٣ مدن اسبانية في يوم واحد، فزيارتي الأولى لماربيا كانت خاطفة ولم تخطف قلبي كثيرا، أما هذه المرة فبت فيها ليلة تناولت فيها وجبة العشاء في مطعم أنيق بالقرب من البحر برفقة اصدقاء انتظرت كثيرا رؤيتهم، ثم تنزهت بقلبها في الصباح الباكر برفقة زوجي، فتناولنا القهوة في ازقتها الأنيقة، وسرنا نحو البحر حيث المعارض المفتوحة وبعض التماثيل الجميلة والناس تتجول حولك لاستنشاق نسائم البحر.
ماربيا
في زيارتي الأولى عام ٢٠١٠ كانت رحلتي منفردة ” سولو ترافلر” والحقيقة أن الرحلة تبدو مختلفة تماما عندما تقوم بها وحدك وعندما يرافقك فيها شريكك او أي شخص تستمع بالسفر معه، اذ تبدو الأشياء والأماكن وحتى اختيارك للوجهات يصبح مختلفا، فلكل منها متعته الخاصة.
ملقا
انتهت جولتنا في ماربيا عند مطلع الظهيرة، فتوجهنا صوب محطة الحافلات للنتقل إلى ملقا التي تبعد نحو ٥٠ دقيقة بالحافلة، في اسبانيا وخاصة الاندلس تبدو رحلات الحافلات والقطارات اكثر الوسائل متعة، فالمواعيد دقيقة والحافلات نظيفة وترتيبات الحجوزات سلسة، وصلنا إلى محطة الحافلات في ملقا واستأجرنا خزانة داخل محطة الحافلات لتحفظ لنا أمتعتنا الخفيفة ثم توجهنا بسيارة الأجرة إلى قلبها، كنت متحمسة كثيرا لرؤية ساحة الرحمة ومدرسة بيكاسو لتعلم اللغة الاسبانية ، ومنزله المجاور للمدرسة والذي ولد فيه وهو الآن متحف صغير، وللمرور بمنزل السيدة آنا التي بقيت معها لنحو ٣ اسابيع في خريف ٢٠١٠، وكنت اتوقع أن أعرف الطرقات بسهولة فالمدينة صغيرة وهذه الأزقة كانت جزء اساسيا من يومياتي طيلة الاسابيع الثلاثة، غير أن الواقع كان مختلفا تماما.
ما الذي غيّر مدينة ملقا
تسع سنوات ليست بالمدة الطويلة كثيرا، ولا يتوقع المرء أن يرى اختلافا كبيرا في المدينة عندما يعود لها، لكن ملقا كانت مختلفة كثيرا، اذ اصبحت وجهة سياحية أكثر، تزخر بالسياح خاصة وأن زيارتنا كانت في مطلع الصيف، كما أن المطاعم والمقاهي باتت تملؤ زواياها بما في ذلك المطاعم والمقاهي العربية لتبدو ملقا نسخة منافسة لباقي مدن الأندلس التاريخية، فحتى ساحة الرحمة التي كانت هادئة وليس بها سوى مقهى صغير بجانب مدرسة بيكاسو كنا نتناول فيه وجبة الافطار كل صباح، باتت تعج بالمطاعم التي اتخذت من ارصفتها مكانا، وتشير الأرقام إلى أن ملقا حققت مراكز متقدمة بين قائمة الوجهات الإسبانية الأكثر نموا على مستوى السياحة خلال الثلاث سنوات الماضية.
وقفت وأنا لا اصدق عيناي وحاولت جاهدة تذكر اتجاه منزل السيدة آنا حيث يقع في الزاوية المعاكسة لمدرسة بيكاسو، لمحت الصيدلية في الركن فعرفت أنه الإتجاه الصحيح، وأخيرا وصلت لمنزل السيدة آنا لكن لا أحد يجيب، التقطت صورة لأن صور عام ٢٠١٠ قد ذهبت مع ريح التكنولوجيا واكلمت سيري صوب كاتدرائية ملقا المميزة بتفاصيلها المعمارية التي تعود للقرون الوسطى، وتناولنا الغداء في احدى مطاعم ملقا متجنبين تلك الثورة الحديثة السياحية التي لحقت بالمدينة، فمطعم El Tapeo
ثم تجولنا في شارع Calle Marqués de Larios مدخل المدينة الأندلسية والذي يعود تأسيسه لاواخر القرن التاسع عشر، حيث مساحة مرصوفة للمارة كانت مركز المقاهي في ٢٠١٠ أما اليوم فباتت مساحة اوسع للمارة والمتسوقين، ومنها سرنا باتجاه المحطة من جديد بعد مرور بضعة ساعات في ملقا حيث مررنا بنصب Marqués de Larios الواقع على بعد خطوات من البحر ثم إلى محطة الحافلات لنكمل طريقنا باتجاه غرناطة، ولغرناطة حكاية…