من أسقط ديترويت؟
هنا ديترويت أكبر مدن ولاية ميشغان شمال امريكا، حيث التحقت بزمالة صحفية في قناة NBC الأرضية بالتعاون مع المركز الدولي للصحافيين، و سأقيم بهذه المدينة المكتظة بالأبنية الشاهقة الخالية تقريباً من البشر لنحو ٣ اسابيع ، اعتقدت منذ وصولي لديترويت أن خلو هذه البنايات لم يحصل إلا خلال السنوات الثلاث او الأربع الاخيرة و ذلك بسبب افلاس المدينة بحجم ديون بلغ نحو ١٨مليار ، الخبر الذي تصدر وسائل الاعلام العالمية..
و لأن زملائي هنا ورفقتي هم من صحافيي NBC في ديترويت، فقد وجدت طرح سؤال كهذا فرصة للحصول على اجابة محايدة إلى حد كبير، فهم اشخاص يكتبون و يصورون المدينة باستمرار بينما يسكن معظمهم خارج المدينة الشاحبة ..
ديترويت حكاية طويلة بإمكاني تلخيصها لكم في كلمتين : العنصرية و الفساد.
لنبدأ بالعنصرية القصة الأعمق في ديترويت، حيث السيارات في كل مكان ومواقفها المخصصة التي تشغل مساحات كبيرة من المدينة، فيبدو مشهدها شاغرا معظم الوقت، كيف لا و ديربورن (تبعد ٢٠دقيقة عن ديترويت) مسقط رأس هنري فورد مالك سيارات فورد الشهيرة ، ولكثافة وجود السيارات فيمكن وصف المشهد بانعدام رؤية المشاة وسط الاسبوع تقريبا، إذ لن ترى أكثر من متسولين يلحقون بك لأخذ شيئا من نصيبهم من الحياة، بينما ستجد أفرادا من سكان المدينة يعدون على الاصابع في قلب ديترويت وخلال ساعات العمل اليومية فقط ،كما أن كل من سيقول لك بأن المدينة آمنة سيلحق كلماته بعبارات ” في ساعات العمل فقط ، و في منطقة وسط البلد” كما يندر وجود الدراجات الهوائية او الإعتماد على وسائل المواصلات العامة بعكس ما يحدث في المدن الامريكية الكبيرة،
لقد سيطرت ديترويت على المركز الرابع مابين ١٩٢٠-١٩٥٠ من حيث عدد السكان غير انها ما بين العام ٢٠٠٠-٢٠١٠ اصبحت تحتل المركز ١٨، و رغم أن الحديث عن قلة سكان المدينة الذي انخفض السنوات الاخيرة من مليونين الى ٧٠٠ الف ساكن ارتبط ارتباطا وثيقا “اعلاميا” بافلاس ديترويت، إلا أن للعنصرية يد أساسية في هذا التغيير وفقا لشهادة زملائي، فالتاريخ يعرف أن هجرات الامريكيين السود من اصول افريقية من الولايات الجنوبية الى ديترويت بين ١٩١٠-١٩٨٠ زاد من نسبة الاصول الافريقية في المدينة الى مئة مرة حتى أن محطة باصات ديترويت الرئيسية تسمى “روزا باركس” ابنة ديترويت والتي دفنت بها، فيما بدأت هجرة الامريكيين البيض من اصول اوروبية بالنزوح بنسبة ٩٥٪ بعد أن كانوا الغالبية في الخمسينات، وهنا يفاجؤنا الواقع بأن البيض آنذاك لم يقبلوا المساواة مع السود أو حتى التعايش معهم ، كما تشير بعض المراجع إلى أن البيض لجأوا لتعنيفهم والتحايل على القانون لاخراجهم من المدينة، و رغم أننا نعلم أن غالبية السود كانوا من فئة غير المتعلمين و كانوا يتسببون بين الحين والاخر في ازدياد نسبة الجرائم و التعرض للسكان، إلا أننا نعلم ايضا أنهم لم يتعلموا بسبب استعبادهم و ظلمهم عقودا طويلة، أيا كانت الأسباب فإن مشهد ديترويت العام ٢٠١٤ يغلب عليه الهدوء التام، بعكس نهاية ايام الاسبوع التي تشهد باستمرار مباريات البيسبول او الحفلات الغنائية الضخمة ،فيجتمع الناس لأجلها من الضواحي والمدن المجاورة لساعات لا اكثر.
بينما كنا بصدد تصوير شاب امريكي يصنع نظارات بإطارات خشبية من ركام البيوت المحطمة، سألت زميلاتي عن سبب دمار هذه المنازل و طبعا لم يكن سوى الفقر، فبعد أن هجر السكان البيض ديترويت بدأت مجموعات من الفقراء السود بالاستيلاء على هذه المنازل وسط اهمالها فضلا عن مجموعات الجرائم النشطة في المنطقة والتي تهوى حرق المنازل الخالية كلما تسنى لها..
وقبل زيارتي بايام اي في شهر مايو ٢٠١٤ تم حرق كنيسة ولم يتبقى منها سوى ركام، كل هذه المشاهد المحزنة يرافقها مبنى ضخم عرف حتى أواخر الثمانينات بانه أعلى مبنى قطارات في العالم، غير أنه اليوم توقف عن العمل و كما يقول السكان هنا ،فإن مالكه الثري رفض استمرارية تشغيله للغالبية السوداء او بيعه بسعر رخيص وسط الافلاس.
هذا بالنسبة للتغير الديموغرافي، اما مايتعلق بالفساد فقد تتلخص الصورة في كوامي كيلباتريك عمدة ديترويت حتى ٢٠٠٨ والذي يقبع في السجن حاليا بتهم الابتزاز و الرشوة والضلوع في الجريمة المنظمة .. ووسط كل هذا يأتي دور العرب الامريكيين الذين يتمركزون في ديربورن في العيش معا بعيدا عن كل مايحدث خارج حدودهم الى حد ما و كأن نقمة الفساد و التعثرات الاقتصادية تلاحقهم أينما حلوا ،غير أن حملات مسلمة تقام بين الحين والاخر في ميشيغان تدعو العرب لوقف استخدام كلمة العبيد على السود.
هذا ما يمكن نقله عن ديترويت اليوم ، أما ما يمكن قوله من تجربة تعايش مع هذه المدينة التي حزنت لأجلها كثيرا، فإن الوقوف على صناعة السيارات وعدم البحث عن موارد اخرى أوقف المدينة في زمن ليس بزمنها حتى سبقها العالم بعد ان كانت تسابق نيويورك و شيكاغو في امريكا، فحتى شوارع ديترويت وشوارع معظم ولاية ميشيغان اليوم لم تعد بالهيئة المناسبة لقيادة السيارات، كما أن البنايات الشاهقة التي لازالت تجمل المدينة وتحفظ ذكرياتها لم تكن أهم من تطوير البشر آنذاك، و رغم كل ذلك يبدو أن الجميع هنا متفاءل أن القادم أفضل، خصوصا بعد أن بدأ الجيل الجديد العودة للمدينة بتسامح كبير بين السود و البيض،، ربما هي عوامل و مظاهر عدة نلحظها في مدن و دول متفرقة حول العالم و لم نكن ندرك أنها مدن قد سقطت وافلست فعلا قبل ديترويت فمن اسقطها يا ترى!؟
- تجربتي مع الفنادق:
أقمت بداية في الداون تاون قلب المدينة بفندق هوليدي ان ولأنه يبعد عن قناة ان بي سي اربع دقائق سيراً على الأقدام فقد قام المسؤلون عن زملتي لحجز فندق دبل تري والذي يقع مقابل القناة مباشرة حفظاً لسلامتي.
فندق دبل تري حديث ومطور بالمقارنة بهوليدي ان في ديترويت، فصلا عن وجود مطعم ياباني جيد في الدور الأرضي، كما أن غرفه أقرب إلى شقق مهيأة بالإحتياجات الأولية، بالتأكيد انصحكم به.
- تتميز ديترويت بوجود المطاعم العالمية المختلفة، فالأطباق الأمريكية والفاست فوود متوفر بكثرة ويمكن اعطاءه ٤ نجمات على الأقل، كما أن المطاعم المكسيكية مميزة هناك، أما ان اردتم تناول الأطباق العربية فبالتأكيد سأنصحكم بديربورن التي تبعد عن ديترويت ٢٠ دقيقة تقريبا بالسيارة.