أيهما أقرب لطبيعة حياتك، إيطاليا أم الولايات المتحدة ؟!
في منتصف الخمسينات ذاع صيت اغنية “تو فو فا لاميريكانو”الايطالية ولازالت حتى اليوم تعد اغنية حيه لكثرة اعادة غناءها وتوزيعها بطرق معاصرة في مناطق مختلفة في العالم، وهي أغنية تسخر كلماتها من تأثر الشاب الايطالي بنمط الحياة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية ..
بين الولايات المتحدة الاميركية وايطاليا اوجه تشابه واختلاف كأي ثقافات في العالم، غير ان فرصة جميلة اخذتني للعيش في ايطاليا لبضعة اشهر ومنها انتقلت مباشرة الى واشنطن دي سي وفيرجينيا في الولايات المتحدة ما جعل المقارنة واضحة جدا لدي، لافهم اكثر كلمات الاغنية التي ساهمت بشكل او بآخر في الحفاظ على الثقافة الايطالية المحلية .
في ايطاليا التي أعرف ثقافتها الى حد ما من تجاربي وقراءاتي السابقة، تنقلت لاشهر بين بيوت مختلفة واختلطت مع سكانها واحياءها العتيقة وحظيت بفرصة تعلم اللغة المكثفة ودروس اخرى عن تاريخ ايطاليا وثقافتها، اما اليوم فها أنا بين الاميركيين وعرب اميركا الذين تطبعوا بسلوكياتها الخاصة، ورغم ان بعضهم يشكو لي كيف كانت اللحظات الاولى صادمة لاختلاف الثقافة الكبير، إلا أنني تقبلتها اكثر منهم “ربما” نظرا لنشأتي في المنطقة الخليجية المتأثرة باميركا اكثر من اوروبا.
لذا سأحاول جمع بعض المفارقات من خلال تجربتي البسيطة بين ايطاليا واميركا..
فرغم عشوائية ايطاليا بالمقارنة باميركا وعدم التزام سكانها بالقوانين مثل قوانين منع التدخين في اماكن محددة او ايقاف السيارات في اماكن مخصصة الا ان قوانين الطعام على سبيل المثال تبدو الاقرب والاهم لمنطق الايطاليين ..
فإن تناولت الباستا او البيتزا مع الكاتشب توقع ان تخترق طبقك نظرات الناس من حولك وقد يأتي النادل او حتى الطاهي لفهم اسباب تصرفك وما اذا كان الطعام بحاجة لمنكهات اي انه لم يكن لذيذا .. هذا ان وجد اساسا الكاتشب في المطعم
اما ان طلبت جبنة البارميزان المبشورة لرشها على طبق يحوي اي نوع من انواع ثمار البحر فتوقع ان ترى النادل يرفع يديه للسماء متساءلا بتعجب ” ماماميا.. وكيف ستضع الجبنة على ثمار البحر!؟”
عن نفسي كانت دائما اجابتي حاضرة ..”ولكنه طبق باستا بالسلمون والكريمة البيضاء.. اليست الكريمة من مشتقات الحليب ايضاّ!؟”
فيتمتم ويجلب لي طبق الجبنة باستغراب شديد
اما في اميركا.. فلم يصادف معي يوما ان سألني النادل لم اتناول البرغر او الهوت دوغ بالشوكة والسكينة!
ملاحظة: الاطباق الايطالية في اميركا لا تمت بصلة للاطباق الايطالية في موطنها فهي اقرب لذائقة الاميركيين الدسمة، اما الاطباق والمطاعم الامريكية فهي محدودة جدا في ايطاليا ومعظم الوجبات السريعة الامريكية ممنوعة من دخول ايطاليا وقد قرأنا مطلع العام ٢٠١٦ خبرا يفيد بقرب افتتاح اول فرع لستاربكس في ميلانو!
ايضا فيما يتعلق بالفروقات بين الوجبات الامريكية والايطالية فان الايطاليين قد يتناولون ذات الكمية التي يتناولها الامريكيون لكن ذلك يستغرق ساعات مطولة، فهناك طبق الشوربة ثم السلطة ثم المقبلات ثم الطبق الاول وقد يحوي الباستا او البيتزا ثم الطبق الرئيسي المكون من احد انواع اللحوم ثم طبق الحلى وقد يلحقه سبريسو سريع..وهنا لن اخوض كثيرا في المفارقات الخاصة بالقهوة فهي قصة اخرى وطويلة
اخيرا وقبل ان نغلق ملف الاطباق الايطالية والامريكية فمن الجدير بالذكر ان البيبروني “سلامي”بالايطالية هو اختراع امريكي وان كلمة “بيبروني” تعني بالايطالية الفلفل الرومي،لكن الايطاليين اعتادوا على السياح المتأثرين بالعولمة الامريكية وباتوا يميزون الفرق بين البيبروني الايطالي والاميريكي.
في ايطاليا.. لم اسمع يوما صوت المنكسة الكهربائية المزعج ولم اجدها في اي بيت من تلك التي استأجرت فهم يتكلون على المكنسة اليدوية لتنظيف ارض المنزل الرخامية او السيراميك وغيرها ..اما في اميركا فتكاد المكنسة الكهربائية لا تخلو من بيت خاصة وان معظم البيوت الاميركية بل وحتى مكاتب العمل مغطاة بسجاد و”موكيت”.
ايضا مما يلحظه الزائر لايطاليا بوضوح خاصة في مناطق الجنوب هو تلك الملابس المعلقة على النوافذ وفي الشرفات اي “نشر الغسيل” بينما في اميركا لم ارَ هذا المشهد بتاتا، بل ان صديقتي اكدت لي ان القانون يمنع ذلك في معظم الولايات.. وهنا يكمن الفرق بين نوع الة الغسيل الأوروبية وتلك الامريكية التي تخرج القطعة جافة تماما بل وبدون حاجة للكي.
وبينما يستخدم الايطاليون شاشات تلفاز صغيرة يقارب حجم بعضها شاشات حاسوب المكتب، تجد الاميريكيين يهتمون بكبر حجم شاشة التلفاز بل ان كثر منهم يستخدم شاشتين ،واحدة في غرفة المعيشة واخرى في غرفة النوم!
أخيرا .. في ايطاليا إن اجتهدت للحديث مع الايطاليين بلغتهم فحتما ستلقى التشجييع والترحيب من معظم الايطاليين بل وسينطلقون ويخوضون معك في مواضيع عامة وسياسية وكأنك قلت لهم إنك تتحدث لغتهم بطلاقة
بينما في اميركا فمعظمهم سيرددون خلفك الكلمة بتعجب ولن يصلوا لمرادك حتى وإن كان الاختلاف حرف واحد فقط.
هذه ليست الا مفارقات بسيطة وقد تطرح سؤالا على سكان الدول المستهلكة.. أيهم وجدته أقرب لطبيعة حياتك؟!