المرأة الرياضية وفق الضوابط الاجتماعية العالمية
بعد مشاهدتي لفيلم “كبير الخدم” الذي كتبت عنه سابقا في مدونتي ، واثناء مغادرتي والاصدقاء صالة السينما في حالة حزن على ماض قاس مر به فئة من الامريكيين ، علق احد الاصدقاء قائلا: لم اكن اعلم ان بشاعة العنصرية كانت قد وصلت الى هذا الحد في امريكا ، وهم اليوم يدعون انهم بلد الحريات والحضارة ، تعليق عفوي سمعته من اكثر من صديق وصديقه في نقاشات مختلفة، وكأن الامريكيين يخفون ماضيهم او ينكرون حاضرهم الذي لازال يحوي بعض الثغرات .
في تصنيف الفجوة الجندرية ل١٣٦ دولة حول العالم والذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلت الولايات المتحدة الامريكية المركز ال٢٣، ما اثار حفيظة معظم الامريكيات وبعض الامريكيين فكتبوا عددا لا بأس به من المقالات وناقشوا الامر اعلاميا بشفافية ترضي غضبهم تجاه هذه الفجوة على الاقل.
تاريخيا تذبذب حال المرأة خلال القرون الاخيرة ،وما كانت تحظى به من مساواة وعدالة انسانية الى حد ما بينها وبين شريكها البشري “الرجل” لم يعد كذلك، رسم بياني توضيحي وجدته في موقع بي بي سي يكشف حال المرأة في الرياضة تحديدا وبناء عليه يمكن لأي عقل بشري انساني قياس حال المرأة في امور عدة مختلفة تظهر فيها المرأة غالبا خارج اللعبة .
عام ١٨٩٦ في اثينا انطلقت الدورة الاولى للالعاب الاولمبية فانحصرت مشاركة المرأة في تتويج الفائزين بأكاليل الغار”فقط”، مهمة تذكرني بمهام كثيرة اوكلت للمرأة تاريخيا في حفلات السمر والسهر التاريخية التي قرأنا عنها وغيرها من المهام المنزلية التي لازالت قائمة حتى اليوم .
في الدورة التالية عام ١٩٠٠ شاركت ١١ امرأة في باريس وهو ما يؤكد ان المرأة كانت جاهزة في الدورة السابقة لولا الافكار التقليدية العمياء التي منعتها وكرست حضورها في امور شكلية.
تدرج دخول المرأة من دول عالمية مختلفة للالعاب الاولمبية وما يذكره التاريخ انه و بعد عدة دورات سمح للمرأة واخيرا المشاركة في رياضة السباحة عام ١٩١٢ في ستوكهولم ، غير ان الامريكيين آنذاك منعوا مواطنتهم من المشاركة في السباحة تحديدا و قيدوها بالمشاركة بالتنانير الطويلة فيما تبقى من رياضات وفق ضوابط اجتماعية “ربما خشية فتنة الرجال” فكما هو الحال تمنع المرأة لأجل الرجل ، الا ان رد المرأة الامريكية على ذلك المنع جاء بعد سنوات قليلة بتحقيق ذهبية في سباق ١٠٠ متر ظهر”سباحة” عام ١٩٢٤في باريس وكانت قبل ذلك بعامين قد حطمت رقما قياسيا عالميا سجله رجل!
مشاركات المرأة الامريكية لم تتوقف و دخلت خلالها الامريكيات من اصول افريقية الاولمبياد في وقت كان مواطنوهم من الرجال والنساء من الاصول الافريقية يحاربون اشكال العنصرية في الولايات المتحدة الامريكية، ففي برلين ١٩٣٦ شاركت إمرأتنان امريكيتان من اصل افريقي ، ثم احرزت امريكية من اصل افريقي ذهبية في العاب القوى في لندن ١٩٤٨ذهبية ابهجت الامريكيين بلا استثناء اصحاب البشرة البيضاء منهم والرجال.
تواصل نضال المرأة الرياضي العالمي و في العاصمة الفنلندية هلسنكي والتي تعد منذ قرن احد ابرز الدول المتقدمة في المساواة بين المرأة والرجل سمح بتشكيل فرق مختلطة في منافسة الفروسية العام ١٩٥٢ كما تنافس النساء ضد الرجال في فردي الفروسية و فازت فارسة دانماركية بفضية في جائزة منافسة الترويض .
العام ١٩٨٤ وصلت المرأة المسلمة العربية الى منصة التتوييج بذهبية نوال المتوكل في سباق العدو ٤٠٠متر حواجز ، وما الذ طعم الانتصار والافتخار العربي والمسلم انذاك حتى في اشد الدول حفاظا ومنعا لنسائهن من ممارسة الرياضة!
في سيول ١٩٨٨وبعد تاريخ منع المرأة من مشاركتها في رياضة السباحة حققت السباحة كريستين اوتو ٦ميداليات و ٤ ارقام قياسية لالمانيا الشرقية .
و بعد قرن من اول دورة العاب اولمبية شاركت للمرة الاولى المرأة الايرانية في اطلانطا ١٩٩٦ ثم البحرينية عداءة وسباحة في سيدني ٢٠٠٠ والافغانية في اثينا ٢٠٠٤ والاماراتية والعمانية في ٢٠٠٨ في بكين واخيرا في لندن ٢٠١٢ شاركت المرأة السعودية والقطرية ليشارك الرجل بعد تهديدات اللجنة الاولمبية الدولية بمنع مشاركتهم.
هذه ليست جميع انجازات المرأة الاولمبية ولكنها الابرز والتي حققت نقلة نوعية تاريخية لوضع المرأة في البلدان المذكورة ولوضع المجتمع بشكل عام هناك حتى تحولت من المتوِجة الى المتوَجة ، فجميع نساء الارض سعت ولا زالت تسعى لتحقيق مواطنتها الكاملة و لقياس المشاركة الوطنية وفق الكفاءة فالوطن لا يعرف جنس ولا عرق ولا لون.
قد يعتقد البعض ان اشخاصا من تلك الدول التي سبقتنا التجربة يحاضر علينا اليوم بمفاهيم الحريات فيما يؤمن اؤلئك الاشخاص “المحاضرون” انهم ينقلون لنا التجربة بعد ان تأكدوا من نجاعاتها ، ايا كان الهدف او الاسباب فهم يعترفون على الاقل علنا بتاريخهم وإخفاقات اجدادهم ، ولا يتوقفون عن تعديل اوضاعهم ونقاش مطالب اطياف المجتمع دون تخفي او تمويه للحقيقة .