أكثر من تسعة اسابيع مرت وأنا لم أدون شيئا لا عن السفر ولا عن أي موضوع يشغل بالي، وكيف أحدث الناس عن فن السفر ومتعته وهو سبب رئيسي في انتشار الوباء العالمي “كوفيد-١٩”، فبالرغم من أن واحدة من آخر تدويناتي ” ٢٠ فكرة لسفر اقتصادي هادف في ٢٠٢٠” ظلت تلقى تفاعلا وسط تفاقم أزمة كورونا، إلا أنني فضلت الإبتعاد عن الحديث في هذا المجال الذي قررت الإبحار فيه قبل عدة اشهر وتخصيص مدونتي لنشر المعرفة فيه.
من كان يتخيل أن قطاع السياحة والسفر سيهتز ويضطرب يوما إثر انتشار فيروس، بعد أن تنامى وبات اختصارا حقيقيا لعبارة ” العالم قرية صغيرة”! بل وتُوجه له اصابع الاتهام منذ اللحظة الأولى، وأن الطبقة المقتدرة ماديا ستكون الناقلة لهذا الفيروس وسببا لانتشاره في الأوساط الفقيرة، وأن الاقتصاد العالمي يتهاوى ليرى كيف تصاعد بجشع وخلق طبقية عالمية واسعة تنبأ لها الاقتصاديون أن تركد ولكن الأمر بلغ ماهو أكثر من ذلك، من كان يتخيل أن رحلتنا في هذا العالم ستمر بكل هذه الأحداث الدراماتيكية، وسنعيش لحظة كما لو كنا أبطالا في فيلم هوليوودي من أفلام نهاية العالم التي سخرنا منها!
مللنا الجلوس بالبيت فهل ننفق مدخراتنا في السفر!
لقد تابعنا أحداثا متسارعة جدا خلال الاشهر القليلة الماضية، تضاربت فيها الأنباء مرات وتخبطت فيها وسائل الإعلام مرات اخرى، فقدنا خلال نحو ٣ اشهر عشرات الالاف من سكان الأرض، بينما مر من نجو منهم بتجارب قد نتعرف عليها اكثر في وثائقيات بكافة اللغات مستقبلا ” إن نجونا”، وقد تعلمنا الكثير من هذه الأزمة وهذا ما قد يشفع لفقدان ملايين الطلاب والطالبات حول العالم فرصة اكمال سنتهم التعليمية، ويشفع ايضا لمئات الاف الرحالة الذين يتخذون من رحلاتهم كتبا ومناهج تعليمية.
وسط هذه الأخبار المضطربة وخاصة الإقتصادية منها والتي لا تقل ضررا عن الأضرار الصحية التي ضربت معظم دول العالم خلال هذه الحرب الكبرى، ترصد وسائل اعلامية مستقبل السفر والسياحة وواقع الخسائر الضخمة في هذا القطاع نتيجة مكوثنا في منازلنا، كما تتنبأ لإجراءات السفر الجديدة التي سيخضع لها المسافرون والتي ستتجاوز تلك الاجراءات المزعجة التي دخلت إلى مطارات العالم بعد أحداث سبتمبر وتنامي موجات الارهاب، فكيف ومتى وأين سنسافر؟ وهل سيعود السفر سهلا وبخيارات متعددة كما كان، أم أن كل ما دوناه عن احجز رحلتك اونلاين بسهولة سيتغير!
نصف عام ميت سياحيا!
مطلع شهر ابريل المنصرم قدر المجلس العالمي للسياحة والسفر خسارة القطاع بما يتجاوز الاثنين ترليون دولار مع نهاية العام ٢٠٢٠، اذ تم إلغاء قرابة المائة مليون وظيفة في قطاع السفر وانخفضت حركة الركاب على الشركات الامريكية للطيران بنسبة ٩٥٪ مقارنة بعام ٢٠١٩ الذي شهد فيه شهر ابريل على سبيل المثال مرور أكثر من ٢ مليون مسافر عبر المطارات الأمريكية في كل يوم تقريبا، ومن المتوقع انخفاض ايرادات الركاب الدولية بأكثر من ٣٠٠ مليار دولار، فضلا عن انخفاض معدل اشغال الفنادق المحلية بنسبة ٦٠٪ مابين يناير وابريل وفقًا لـ OAG، ووسط كل هذه الأرقام والمتغيرات في عالم السياحة، تشير استطلاعات هاريس إلى أن نحو ٥١ في المائة من الامريكيين قد قاموا بالغاء او تأجيل خطط رحلاتهم، فيما يقول نحو ٢١ في المائة من الأمريكيين أنهم يتطلعون للسفر والإقامة في الفنادق بعد نحو شهر من تسطيح منحنى الإصابات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة على الأقل، بينما يقول ٢١ في المائة إنهم لن يقيموا في فنادق قبل مرور نحو ٣ اشهر، ويرى ٦ من كل ١٠أشخاص أنهم قد يقيمون بالفنادق بعد مرور ٦ اشهر على الأقل من مرور الأزمة وعودة الحياة التدريجية.
السفر الجوي في خطر
اقتصاديا يبدو أن توازنات قطاع السياحة والسفر في شهري يوليو واغسطس متفاءلة، وعلى عكسها تميل الآراء الصحية إلى شكوك كبيرة، فالبرغم من إعلان المستثمر الأمريكي وارن بافيت الرئيس التنفيذي لشركة “بيركشير هاثاواي” بيع جميع الأسهم التي كانت تملكها في اربع شركات طيران امريكية نظرا لحاجة قطاع الطيران لسنوات للتعافي مما اصابه اثر جائحة كورونا، إلا أن شركات طيران عدة بدأت الاعلان عن خطوات تحد من هلع المسافرين وتعمل على تشجيعهم للعودة والاستمتاع بالعطلات، إذ قدمت شركة طيران دلتا الأمريكية فكرة إصدار “جوازات حصانة” غير رسمية للمسافرين الذين يمكنهم إثبات اصابتهم وتعافيهم من الفيروس بهدف إثبات مناعتهم منه، لكن التحديات تبدو أكبر من ذلك وفقا لخبراء الصحة الدوليين، فالإلتزام بارتداء الكمامات وشروط التباعد وحتى قياس درجة الحرارة في المطارات قد لا يكون المؤشر الكافي لعدم نقل عدوى الفيروس بين المسافرين، فضلا عن أن باحثين صحيين ما زال لديهم شكوك حول مفهوم المناعة بعد الاصابة او اختبار الاجسام المضادة، إذ لا تبدو بعض الأعراض ظاهرة بالشكل الكافي في فترة حضانة المرض، كما يرى بعض الباحثين بأن مظاهر التدابير التي قد تُتخذ في المطارات ليست إلا عوامل نفسية تحد من نشر الذعر في نفوس المسافرين.
ثلاثون عاما إلى الخلف
وبالرغم من تلك المشاهد التي تابعناها لمسافرين محدودين على متن الطائرات وبأسعار زهيدة في مرحلة أوج أزمة فيروس كورونا في العالم، إلا أن ما يمكن فهمه من هذه المتقلبات التي قد لا تنتهي في العام الحالي ٢٠٢٠، هو أن عالم السفر والسياحة قد يعود لبداياته او على الأقل سيعود بنا إلى ثلاثين عاما للوراء، أي قبل ثورة الطيران الإقتصادي والتطبيقات المتعددة للتخطيط للرحلات، حيث السفر للضرورة نظرا لارتفاع أسعار الطيران ووسائل النقل التي ستبحث عن تخفيف خسائرها، مايعني ارتفاع في الأسعار خاصة وأن شركات طيران عدة وغيرها وربما حتى شركات الكروز “الرحلات البحرية” قد تعلن افلاسها او تنضم إلى شركات أخرى لتخفيف هول أزمتها الاقتصادية، وهو ما ينطبق حتى على الفنادق والمرافق السياحية، وفي هذه الظروف قد تعود الى الواجهة السياحة الداخلية والسفر البري الذي قد يبدو أوفر مع تدني أسعار النفط التي يتوقع أن تستمر آثارها على الاقل للربع الاول من العام القادم، فضلا عن أنه سيكون الخيار الأفضل لكثر من مَن خسروا وظائفهم او تضرر مستوى دخلهم.