لطالما سمعت عن دول جنوب امريكا وطبيعتها الجذابة وأهلها اللطيفين وثقافتها المختلفة، لكن الحديث عن نسبة الجرائم فيها ومستوى الأمان كان دائما الأبرز، نظرا لما تنقله وسائل الإعلام العالمية وافلام هوليود عن هذه القارة.
كانت الاكوادور من ضمن محطاتي التي اتمنى زيارتها لكني لم أتوقع يوما أن تكون تجربتي الأولى كمتطوعة “في الخارج” فيها، وخيرا فعلت فهذه الرحلة والتجربة بأكملها قد لا تشبه سابقاتها، ففضلا عن التعرف على جماليات هذه البلد سمحت لي الفرصة التعرف بشكل ادق على أهلها الطيبين جدا، وحياتها اليومية البسيطة بعيدا عن مظاهر السياحة والرفاهية، بل إنها رحلة السياحة الخيرية الجميلة.
عندما كنت ابحث في برامج التطوع التي تقدمها منظمات متعددة حول العالم، لفتت نظري تلك الحاجة الملحة في الاكوادور لبرامج رعاية الأطفال الإجتماعية، ولست خبيرة برعاية الأطفال لكني اعجبت ببرنامج من ضمن برامج IVHQ والذي يتيح فرصة العمل الاداري مع منظمة غير حكومية لتيسير عملية هذه البرامج، كانت النقاط الرئيسية واضحة ولكن الأمر ليس بالسهل فما نراه من خلال تجارب المتطوعين حول العالم لا يتيح لنا فهم التجربة بالشكل الكافي، لذا قررت أن امضي واكتشف بنفسي.
تجربتك مع التطوع تبدأ اولا بالتسجيل اونلاين في موقع منظمة التطوع التي تختارها، وبعد تحديد البرنامج ومدة تطوعك والوجهة التي ترغب بالتطوع فيها، تقوم بدفع رسوم تكاليف “غالبا ما تكون رمزية” لتغطية اقامتك مع بعض الوجبات التي تحددها كل وجهة وفقا لتكلفة الحياة في البلد المراد التطوع فيه، ثم انهاء كافة حجوزات السفر والأوراق المطلوبة للتأكد من كفاءتك وسلامة مشاركتك في هذا العمل النبيل.
أنهيت كافة هذه الاجراءات قبل السفر باسبوعين تقريبا، بعد أن اخترت التطوع لمدة اسبوع في العاصمة الإكوادورية كيتو، وما ان وصلت في الساعات الاولى صباحا حتى وجدت في استقبالي في المطار سيدة اكوادورية تحمل اسمي، رافقتني باتجاه سيارة اجرة اقلتني إلى المنزل الذي ساتشارك فيه مع متطوعين اخرين، وهناك وجدت مسؤولا عن المنزل في استقبالي، كل هذه التفاصيل لا تعني شيئا أمام العمل التطوعي الذي بدأ فعليا صباح الثلاثاء.
كان اليوم الأول ” يوم الاثنين” نهارا لتوجيهنا أنا والمتطوعين في برامج مختلفة، لفهم آلية العمل واختلاف الثقافات والمزيد عن ثقافة الاكوادور وما يجب علينا معرفته وتهيئتنا بكافة ما يلزم، كما تم تقديم قمصان لنا تحمل كلمة متطوع نقوم بارتدائها أثناء عملنا.
في اليوم التالي ” يوم الثلاثاء” بدأنا جميعا بكل حماس لهذه التجربة الفريدة، وفي UBECI foundation تعرفنا أكثر على مهامنا وجدول اعمالنا الذي يبدأ من الساعة التاسعة صباحا وحتى الرابعة والنصف عصرا، تتخلله فرصة الغداء لنحو ساعة ونصف، تنقسم المهام الموكلة لنا على فترتين الاولى تبدأ بكتابة التقارير والعمل على تحقيق اهداف المنظمة في تحفيز المتبرعين للمساهمة في هذا العمل الجميل، والثانية تقدم خدمات اجتماعية من خلال اعداد الهدايا للأطفال وخلق افكار لاسعادهم ودمجهم في المجتمع وذلك باعداد بطاقات معايدة بمناسبة اعياد ميلادهم من صنع المتطوعين والعاملين في المنظمة وملأها بالحلويات و الالعاب الجميلة.
هذا هو جدول مهامنا الرئيسية في UBECI، غير أن فعاليات اخرى خارج حدود المكتب قد تطرأ على عملنا وذلك بالتنسيق بين المتطوعين ورغباتهم وبين العاملين في المنظمة، ما جعلنا انا وزميلي المتطوع نطمع بالخروج للسوق الشعبي في يوم الخميس لاستكشاف تجربة العمل الميداني، فبدأنا ذلك الصباح بتلقي القليل من التعليمات والمعلومات عن وجهتنا ومهامنا والتحقنا بعدها بفريق العمل الميداني بما في ذلك متطوعا يعمل اساسا على برنامج اطفال الشوارع.
خمسة اشخاص حملنا الاغراض التي سنحتاجها هناك، وتوجهنا نحو الباص، ومنه انتقلنا إلى الباص الآخر حتى وصلنا إلى وجهتنا في مركز المدينة، حيث الاسواق المكتظة بمنتجات الاكوادور وتقف على معظم المحلات نساء لبيعها، توجهنا صوب احدى زوايا السوق وبدأنا بتهيئتها لتقديم الخدمات الاجتماعية للاطفال، فقمنا بوضع خيمة زرقاء تقينا من حرارة الشمس، تحتها بساط مطاطي ثم نشرنا الالعاب التعليمية والماء والصابون على طرف المكان لغسل ايادي الاطفال قبل وبعد اللعب لتعليمهم اساسيات النظافة.
وبالرغم من أن عمل المنظمة الميداني يتنقل بين اسواق العاصمة كيتو، إلا أن اطفالا وامهات اقبلوا علينا عندما شاهدوا موظفي وخيمة المنظمة، لكن الموظفين حرصوا على التأكد من أن تكون كافة السيدات على علم بوجودنا فتوجهنا الى الازقة لسؤالهم إن ارادوا ترك اطفالهم معنا، وجميع من توجهنا لهم كن سعيدات عدا سيدة واحدة فضلت ان تبقى ابنتها الى جانبها، فرافقنا اطفالهم الى الخيمة وهناك جلسنا معهم ولعبنا ببعض الالعاب التعليمية المسلية والتي تتيح لنا ممارسة اللغة الاسبانية مع الاطفال مقابل تعليمهم الانجليزية، فضلا عن تعليمهم اداب الحديث والتعامل مع بعضهم البعض والتعاون في اللعب وملأهم بلحظات الحنان بعيدا عن مفاوضات الاسواق الصاخبة.
وفي الجزء الاول من يوم الجمعة ” اليوم الأخير لي كمتطوعة مع UBECI” قمت بكتابة هذا التقرير تقديرا مني لهذا العمل الانساني النبيل، فما تتعلمه هنا من تفاني للعمل الخيري اكبر بكثير من كافة تفاصيل الرحلة ومتعتها، فهذه البرامج المتعددة تعمل جاهدة لتمكين الاطفال في ظل وجود اسرهم او غيابهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتعليمهم على تقبل الاخر، ومساندة أمهاتهم اللاتي يعلن اسرا بأدنى الوظائف التي يستطعن القيام بها، كبيع الخضار والطعام في الأسواق الشعبية وما إلى ذلك.
ولعل من ابرز ما لفتني في هذه التجربة الفريدة هو حسن معاملة موظفي المنظمة وشكرهم الدائم لما نقدمه، فكما قالت لنا احدى المشرفات ” قد تعتقدون ان ما تقدمونه بسيط ولكنه يعني لنا الكثير جدا”، كما ان هذه المنظمات تعتمد بشكل جاد على كل شخص يلتحق بها لذا فان غياب الجدية والالتزام في العمل التطوعي يكلف هذه الجهات الكثير، فعندما تقرر التطوع تذكر ان العمل لم يعد خيار بل التزام، واحرص على اختيار ما يناسب قدراتك بشكل اساسي لتقديم افضل ما لديك، فالتطوع يعني أن تعمل من أجل نفسك وليس من أجل المال او صاحب المال.
ملاحظات ومعلومات:
- اقرأ كثيرا عن وجهتك، كن على اطلاع باوضاعها السياسية والاقتصادية وطبيعتها الجغرافية والمناخ وما إلى ذلك.
- قم باجراء التطعيمات اللازمة واخذ احتياطاتك من الادوية الاساسية والمسكنات.
- تكاليف رحلة التطوع ” تختلف من برنامج إلى آخر وتعتبر الاكوادور ثاني اوفر وجهة للتطوع”:
- رسوم الاشتراك من خلال IVHQ ٣٤٥ دولار
- رسوم لتطوع لاسبوع ٢٨٣ دولار “تغطي تكاليف الإقامة وبعض الوجبات”
- رسوم التدقيق الأمني ٢١ دولار
- التأمين الطبي “الزامي” مالم يكن لديك تأمين يغطي حاجتك حول العالم ٧٩ دولار
- سعر التذكرة من واشنطن إلى كيتو ٥٧٧ دولار