ميساء العمودي تكتب: سجن بطعم الحرية
أواخر 2005 كانت بدايتي الإعلامية مع التلفزيون السعودي، بداية وجهت مسيرتي الإعلامية بشكل عفوي صوب المرأة. ففي القناة الأولى وحتى ذلك العام الذي انضممت لها، لم تكن المرأة قادرة على العمل في نقاشات سياسية أو اجتماعية واسعة، بل ينحصر عمل المذيعة والمراسلة آنذاك في برامج المرأة و الأسرة.
ومع ذلك فقد التقيت سيدات واعيات آنذاك ممن كنا نستضيف، أمثال د. فائقة بدر والسيدة مها فتيحي وغيرهن ممن كان لوعيهن أثر علي. لم تكن مسألة تحديد البرامج للمرأة في التلفزيون السعودي وحدها ما يشعرني بالتفرقة ’الجندرية‘، بل وحتى توظيفنا الذي لم يكن يخرج من إطار ما يسمى بـ “المتعاونة” وبرواتب زهيدة كان مؤلما ومجحفا .
من هنا بدأت قصتي مع العمل الحقوقي التوعوي للمرأة والمواطن بشكل عام. وهكذا ارتبطت مسيرتي المهنية الإعلامية بتوعية المرأة ومحاولة مساندتها من خلال مختلف البرامج التي عملت على تقديمها. ومع حلول ما عرف بالربيع العربي تواصلت معي إحدى السيدات آنذاك، تطلب مساندتي لها في دعم رؤيتها إعلاميا لرفع الحظر عن قيادة السيارة. وبالطبع لم يأت طلب السيدة عشوائيا، فقد كان بناء على تصريحاتي العلنية حول مسألة قيادة السيارة والوصاية وغيرها مما يعيق المرأة السعودية . وفي هذا الإطار، من الجدير بالذكر أنني ممن يبجلون وينتصرون لكل العقبات التي أزيلت عن طريقها أيضا، فالمسألة ليست تشويه للصورة كما يدعي البعض.
كنت أعرف حينها أنني سأفقد مميزات كثيرة يحظى بها الصحافيون، خصوصا الخليجيون منهم، بسبب مواقفي المساندة للمطالبات الإنسانية، ومع ذلك واصلت العمل إيمانا مني، مثل معظم الشباب آنذاك، أننا في مرحلة تغيير للأفضل، وأن أحلامنا بحريات الرأي والمساواة الإنسانية قادمة لا محالة دون أن تهتز حجرة من وطننا، وهكذا توالت الأفكار ومحاولات إيصال الصوت للمسؤولين من خلال وسائل إعلامية تؤمن بأحلام الشباب العربي الواعي، إلى أن حل الأول من ديسمبر 2014، وكان ذلك الاعتقال!
إنها المرة الأولى التي أدون فيها شيئا من سنة انقضت من عمري بخسائر مادية وأرباح معنوية. إنها اللحظة المفصلية التي نكبر فيها وتكبر معنا خبراتنا، والتجربة التي كشفت لي أن تحييدي الإعلامي لم يكن بسبب دعمي الحقوقي فحسب، بل أن التفرقة ليست تفرقة ’جندرية‘ فحسب. إن ما قرأتم آنذاك وتقرأون باستمرار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من عنصرية مقيتة حول أصولي وأصول غيري، كنت أراه وأسمعه واقعيا في تلك التجربة، وما كانت النتيجة إلا أن حُملتُ وزر غيري، وللأمانة، وفقا لمعرفتي ببعض المسؤولين من خلال عملي، فإن تصرفات كهذه لا يمكن أن تحمل للمسؤولين، فهؤلاء العنصريون ليسوا إلا أفرادا من المجتمع الذي نسعى لتوعيته و ندفع عمرنا من أجل حقوقه !
واليوم يمكنني القول إن قناعاتي لم تتغير في ما يخص أهمية توعية المجتمع بحرية الرأي ومفاهيم المساواة الإنسانية واحترام الرأي الآخر، ولكنني بت أرى عمقها أكثر ولربما ترتيبها في سلم الأولويات. لقد انتهت التجربة بحلوها ومرها، عرفت بعدها من أنا ومن هم الحقوقيون الحقيقيون الذين يعون ويفعلون ما يقولون، وعرفت أيضا أن “ياما في السجن مظاليم”.
هناك كانوا يقولون لي إنها تجربة وستصبح قصة تروى فحسب. وها هي ليست إلا ذكرى أولى و بداية لمفهوم حرية جديدة.