خبايا الإعلام في مسلسل The Loudest Voice
ماذا تعرفون عن خبايا عمل المرأة ليس في الاعلام فحسب بل في كافة الوظائف المتاحة اليوم للمرأة؟
من خلال مسلسل The Loudest Voice يمكنكم الاطلاع على جانب آخر لما تواجهه المرأة في عملها، ليس ذلك المتعلق بالتحرش الجنسي فقط والذي بات بديهيا لدى البعض، وكلما تذمرت موظفة من حال وبيئة عملها ظن البعض أنها تتحدث عن التحرش الجنسي تحديدا واذا ما نفت ذلك وحاولت ايضاح المزيد هون من حولها عليها مصيبتها بأن كل ما تشكو منه يحدث للجميع.
المسلسل يسرد قصة رئيس شبكة فوكس نيوز روجر آيلز المحافظ اليميني والذي تمكن من وضعها على رأس قائمة المنافسة في فترة يمكن وصفها بالوجيزة، والتي رافقها صوته الصاخب على موظفيه وتذمره وفرض رؤيته، غير أن صوتا اصخب تعالى على صوته حتى قضى على مسيرته المهنية والإجتماعية، فالكفاءة وحدها في العمل لا تكفي عندما يدرك الموظفون حقوقهم الكاملة ويتنزعونها دون خوف اجتماعي او مهني او غيره.
ولعل ابرز تلك الاصوات الصاخبة التي تجرأت لايقاف تسلط روجر آيلز الذي عمل لعشرين عاما في شبكة فوكس نيوز وبات اسمه من أهم اسماء الاعلام العالمية، كان صوت ملكة جمال الولايات المتحدة لعام ١٩٨٩ مذيعة فوكس غيرتشن كارلسون بعد انهاء تعاقدها بطريقة غير قانونية عام ٢٠١٦، عندما تقدمت بشكوى تحرش جنسي ضد آيلز، ما شجع العديد من الموظفات للادلاء بشهاداتهن ضد آيلز أيضا.
وحتى إن حاول البعض تسيس ما حدث نتيجة الفترة الإنتقالية التي ظهرت فيها الشكاوى ضد رئيس مؤسسة يمينية ساهمت في مساندة ترامب فضلا عن مساندته الشخصية له من خلال عمله معه كمستشار لخوض انتخابات عام ٢٠١٦ او تزامنها مع الحراك الاجتماعي الذي بات يعرف فيما بعد بـ Me Too، فإن الضحايا والمتهم بأطراف من التوجه ذاته وليس من المبرر أن نقف وراء نظريات المؤامرة خاصة عندما تتعلق الأمور بتعدي على ابسط الحقوق الإنسانية.
ما رأيته في تفاصيل قصة غيرتشن كارلسون مذيعة فوكس الذي تقوم بأدائه الممثلة نعومي واتس وفقا لأحداث المسلسل الذي جمع معلوماته من الأخبار وروايات الشهود المثبتة، أبعد من مسألة التحرش الجنسي، فآيلز كان قد تحرش بموظفة في بداية عمله ما اضطرها للاستقالة، وهنا نرى احدى ردود فعل النساء في العمل الشائعة علها لا تضطر لمواجهة تحديات خوض الإتهام داخل المؤسسة او خارجها من خلال المحاكم، وشكلت هذه الحادثة التي ازعجت مالك المحطة روبرت مردوخ والإدارة صفحة ًسرعان ما طويت، غير أنها كما يبدو كانت درساً لروجر تعلم منها تنمية مهاراته واتقان مهامه في التحرش، ثم نتابع آيلز وهو يستغل موظفة أخرى تحت مراقبة كاملة من خلال كاميراته وبعض مسانديه في العمل، وهذه الكاميرات كانت الحمل الأثقل على باقي الموظفات اللاتي بقين متكتمات على أمور كثيرة سعيا في كسب رزقهن وخوفا من خوض معارك أكبر من طاقاتهن “كما يعتقدن”، إلى أن يأتي دور كارلسون المذيعة التي تطلق القصة للعلن.
فبداية استغلال آيلز لسلطته مع كارلسون “وهو متزوج ولديه ولد” كانت عندما استنجدت به لوقف تسلط زملاءها لها على الهواء والحد من ظهورها وكأنها قطعة ديكور في الاستوديو، لم يتعرض آيلز قبل ذلك بشكل فج لكارلسون، فهو منهمك في عمله ومهامه ويبدو أنه وجد السيدة ذات الشخصية الصامتة الخائفة التي يشبع من خلال ايذائها واستغلالها غطرسته، غير أن حاجة كارلسون له كرجل متسلط تعني فرصة للتقليل من قدراتها وطموحاتها التي تتجاوز المسائل المادية، وفرض الوصاية عليها لاستمرار بقائها تحت مظلته والتحكم بها وتحطيمها وزعزعة ثقتها بنفسها، فابتدأ بملامستها مبررا ذلك بتدريبها بعد أن قدم لها وابلاً من الانتقادات على أدائها، ثم تدرج في تحرشه لها إلى أن قرر انهاء عقدها بعد أن تحولت في نظره من موظفة تقدم الأخبار هو من قرر توظيفها إلى موظفة تلبي رغباته الشخصية، وكما يظهر المسلسل مشهدا لآيلز في بداية اطلاق القناة متهتما بظهور المرأة بتنورة بدلا من البنطال، فقد اظهره مرة أخرى وهو معترضا على مظهر كارلسون “رايتشل” كما هو اسمها في المسلسل، عندما ظهرت بدون مساحيق تجميل في رسالة هادفة للفتيات الصغار، في الاعلام خاصة يتحدث الرجال عن السياسة وكأنهم وحدهم من يفهمونها، حتى تنمو ثقتهم بأنفسهم بدء بثقة مدرائهم به، بينما لا يرى المدراء وعدد كبير من المشاهدين في المرأة المقدمة سوى ماذا ترتدي وكيف تبدو مساحيق التجميل عليها، حتى تصبح معظم تعليقات العامة عليها متعلقة بالأمور ذاتها وبالكاد يسمعون ما تقول.
إن شخصيات مثل روجر كما يصوره المسلسل لا تعي أن مناصبهم ليست كافية لإقناع النساء على حبهم او تلبية رغباتهم الجنسية، وإن حراكا مثل Me too مهما واجه انتقادات وشيطنة ومها كان فعلا قد اخطئ في بعضه واصاب في بعضه الآخر فإنه قد حقق غاية واضحة اليوم، وهي أن صمت النساء في الماضي قد تبدل بوعي، ومن كان يلوم الضحية فاليوم بات يحسب الف مرة قبل أن يفعل ذلك ويقابل كلامه بالرد الثقيل، كما أن الجاني بات يعرف أنه قد يلاقي عقوبة تحرشاته ولو بعد حين، ولكن من يا ترى سيعي ما تعانيه المرأة من تدخلات وتقييم لمظهرها في بيئة العمل، وتلك اللغة التي تحد من قدراتها وكفاءتها وثقتها بنفسها، واللغة التي تواجهها فيما تقول وتفعل حتى في أبسط الامور المتعلقة بها، فحتى تمكينها الذي بدأ في الإعلام من خلال العمل على شؤون تتعلق بها والاسرة كان للرجل يد فيه وحتى اعلانات اختيار المرأة للمنتجات الخاصة بها كان للرجل يد فيه والأسوأ من ذلك أنك عندما تشاهدها في اعلان في يومها “يوم المرأة” وهي تردد أنت الأم والأخت والزوجة فحتما تأكد أن للرجل يدان وقدمان وكل حواسه في ذلك الإعلان.