في قصص التسلل و التسول
سلام الى فتيات ونساء عرفتهن في ظروف خاصة، لم ترحمهن الحروب و لم يرحمهم رجال ماعرفوا يوما الرحمة، سلام لك عائشة و ابتسام واختهم الصغرى رندا و من جئن بعدهن ،لازلت اناديكن باسماء استعرتموها خوفا من ان يتوقف عملكن ،خطط درسوها لكن رجال ينامون في العراء فيطلبون منكن ان تكن لهم غطاء، يسهلون لكم طرق التسلل للتسول فتعدن لهم بمال زهيد الى ارض اليمن غير السعيد.
جمعتني الصدفة بانسات و سيدات واطفال تحت عباءات واحيانا تحت قبعات تخفي هوياتهن اثناء عمل التسول ،جئن مكرهات جاهلات و احيانا ضاحكات وكأنهن في لعبة مؤقتة، سألتهن مرارا عن اسباب اقتناعهن بالمجيء تسللا من جبال بلدهن اليمن وخوض هذه المغامرة للتسول في السعودية وبعد مراوغاتهن كشفن لي ان رجالا (اباء،اخوة،اعمام وغيرهم) يرغمونهن لهذا العمل بغية جمع شيء من المال لبناء المنازل و الانتقال فيها بدلا من تلك المخيمات التي يسكنون بها حيث يرعين المواشي حولها، ظروف انسانية صعبة قست عليهن خصوصا في ظل حروب بلدهن غير المتوقفة، اوضاع قد لاتخطر ببال بشر عايشتها مع هؤلاء الرقيقات، فما نعرفه عن دورات المياة على سبيل المثال هو امر مبهم على اخرين يعيشون على بعد كيلوامترات عنا، تخيلوا ان هناك اشخاص بالقرب منا لايعرفون كيف يستخدمون دورات المياة !
عائشة ١٥ عاما تركتها امها رفقة اخوتها ال٥ صغارا مع عمها لتتزوج من اخر ،فبقيت عائشة ترعي الغنم مع اخوتها و ابناء عمومتها ال٩ دون ان تعرف شيئا عن القراءة او الكتابة ،لها صوت جميل يسليها كلما ملت و اصوات صفافير تطلقها بطريقة عفوية مبررة انها عادة اعتادتها لجمع الغنم حولها، اما ابتسام ١٢ عاما فهي ابنه لعائلة تخلت عنها و تركتها وحيدة على الطرقات فتبناها عم عائشة لتعينه ايضا في رعاية الغنم، المهمة التي تشكل شيئا من الدخل لهذه العائلة كبيرة العدد، و اخيرا الطفلة رندا ١٠ سنوات و هي ابنة عم عائشة اي احدى ال٩ اطفال للسيد الذي تبنى عائشة و ابتسام و للعدل فإن رندا تقوم بذات المهام التي تقومان بها عائشة و ابتسام ،انها اسماء مستعارة لشخصيات واقعية كتب لها القدر ان تعيش حياة غير الحياة الطبيعية التي نعرفها ،لقد راوغنني كثيرا لاعرف انهن لسن اخوات كما ادعين وكل هذه الاحجيات التي اختلقنها كانت مرتبة ممن ارسلهن لهذه المهمة التي لا تقتصر عليهن فحسب فبقية العائلة تسير في اماكن اخرى لم اكن فيها لاراهم.
لقد جمعن عائشة ورندا و ابتسام ٨٠ريالا فقط، فقد كان القبض عليهن سريعا كمتسولات، فيما جمعت اخريات المئات اما اكبر تلك المبالغ فكان لسيدة اربعينية وقد بلغ قرابة ٧ الاف ريال، انه عمل متهور وظروف الوصول لهذا العمل هي الاكثر تهورا و رغم ذلك فان معظمهن يقمن بهذا العمل للمرة الثانية و الثالثة كما قلن لي، و بابتسامة باردة يسردن لي كيف ان ١١شخصا من النساء والرجال والاطفال كانوا في باص عائدين لليمن وتوفوا في حادث .
و هن عائدات لبلدهن حاولت اقناعهن بعدم قبول هذا العمل مجددا فوعدنني بانهن سيبذلن جهدهن لئلا تتعرضن لهذه المواقف، فهل ياترى عدن لليمن ليرين تحرر بلدهن من ايدي الحوثيين وغيرهم ممن عملوا على اتلاف اليمن واتلاف حياة ابرياء كثر امثال عائشة و ابتسام ورندا!
يُنقل عن امرؤ القيس قوله:
“تطاول الليل علينا دمون دمون إنا معشر يمانيون وإنا لأهلنا محبون”
وشاعر اليمن عبدالله البردوني:
يمانيـون فـي المنـفـى ومنفيـون فـي اليمن جنوبيون في صنعـاء شماليـون فـي عـدن
و
بعينيه حلمُ الصبايا وفي .. حناياه مقبرةٌ مستريحةْ
لنيسانَ يشدو وفي صدره .. شتاءٌ عنيفٌ، طيورٌ جريحةْ
بلادٌ تهمُّ بميلادها .. بلادٌ تموتُ وتمشي ذبيحةْ
ورغمَ صريرِ السكاكين فيه .. يُغنّي، يُغنّي وينسى النصيحةْ